jeudi 25 avril 2013

التناقض والتباعد والهوّة السحيقة رواتب نوّاب المجلس التأسيسي



حبيت نرجع لحاجة شدّت إنتباهي خلال مشاهدتي لبرنامج التاسعة مساء على "التونسية" ألا وهو

 كل ذلك التناقض والتباعد والهوّة السحيقة التي شعر بها الجميع لدى الإنتقال من الحوار حول زيادات 

بآلاف الدينارات في رواتب نوّاب المجلس التأسيسي وبين الميزيريا الكلبة التي يعيشها جزء كبير من 

أبناء هذا الشعب والتي عكستها صور حادث المرور الأليم الذي ذهب بأرواح أربعة أطفال في طريقهم 

إلى المدرسة.. في تقديري هذا التناقض بين ما تطرحه النخبة السياسية من أفكار ومشاكل وحلول 

وبين ما يعانيه "التونسي الحقيقي" ليس وليد اليوم، بل هو يعكس "سوء تفاهم" بين الجانبين 

(السياسيون عموما من جهة والشعب من جهة أخرى) إنطلق منذ أحداث ما سمّي بالثورة، و

لكي أكون أكثر دقّة منذ إعتصامات القصبة سيّئة الذكر، ذلك أن النخبة المكلوبة (بخوانجيتها

 وبحداثييها وبيسارها ويمينها) قدّمت الأجوبة الخطأ على الأسئلة التي طرحتها إنتفاضة 17 

ديسمبر-14 جانفي، حين طالب الشعب بحلول حينيّة للفقر والتهميش لفئات إجتماعية عريضة، 

وبالتنمية الآن وحالا لجهات مهمّشة، وبالشغل والأمل لفئات عريضة من الشباب وخاصة المتعلّم منه، 

الشعب طرح على النخبة حينها أسئلة ذات بعد إقتصادي بالأساس، ولكن كل تلك النخب التعيسة 

كانت: 

- أوّلا عاجزة على فهم تلك الأسئلة فحرّفتها وركّبت عليها مطالبها النخبويّة فأطلقت عليها أسماء 

عجيبة غريبة مثل ثورة الحرية والكرامة والياسمين والديمقراطية والنظام البرلماني والمجلس 

التأسيسي والآن يضيف لها كل رهط من هؤلاء مطالب جديدة من نوع تحصين الثورة والشريعة 

بالنسبة للبعض والعلمانية والدولة المدنية وحقوق الإنسان والحريات بالنسبة للبعض الآخر.

- ثانيا عاجزة تمام العجز (بحكم إنعدام تجربتها في الحكم ولكن وخاصة بحكم إنقطاعها عن الواقع 

وجهلها لما يطرحه من إمكانيّات وتحديات) عن الإستجابة والإجابة عن الأسئلة الإقتصادية التي طرحها 

الشعب المنتفض، وهي لا تزال عاجزة إلى اليوم وستبقى كذلك لسنوات، وليس من العجيب أن كل 

ما تطرحه النخبة التعيسة من حلول للوضع الإقتصادي المتخلّف لم يصل بعد لمستوى الإصلاحات 

والإجراءات الإقتصادية التي طرحها بن علي قبل رحيله (وهو على فكرة كان حينها قادرا على تحقيق 

جزء كبير منها على عكس من أعطوا بعد ذلك الوعود الكاذبة الطوباويّة وعجزوا عن تحقيق عشرها)

ختاما، يقول المثل أنّه "عندما يشير الحكيم للقمر فإن الغبي لا يرى إلاّ الإصبع الممدود أمامه".. 

وكذلك فعلت هذه النخب البائسة البائدة التي لم تر في ما سمّي بالثورة سوى ما أرادت أن تراه من 

مطالبها النخبوية القديمة-الجديدة التي لم تتغير منذ السبعينات تماما كما لم يتغير تجاهل عامة 

الشعب لها وإنفضاضه من حولها. ولمّا كان الحال كذلك أصبح من الطبيعي أن ينتهي بنا الأمر في 

وضعيّة مثل تلك التي شهدناها في البرنامج المذكور، حيث يقف ثلاثة أو أربعة رجال من هذه النخبة 

(ولو يؤلمني أن أصنّف شيئا مثل المدعو سمير بن عمر ضمن النخبة) وجها لوجه مع العجز التام 

لخطابهم وأفكارهم وحلولهم وبدائلهم وما يدافعون عنه عن تقديم أي حل فعلي وحيني وعاجل لما 

يطرحه الواقع التعيس من مشاكل تتطلب التدخل الفعلي والحيني والعاجل.. ولكن ماذا عسانا أن 

نفعل؟ هام قالولنا "الشعب يريد"!!